عرس ليبي
كان عمري في ذلك الوقت16 عاما .. (مازلت كتكوتا من كتاكيت وريث) .. ذهبت الى بيت أقربائي حيث كانت المناسبة عرس !!
و بما أن العرس عرس فتاة .. و بما أننا من عائلة عريقة و كبيرة و لله الحمد و المنة .. فيمكنكم توقع حجم الإزدحام الاسطوري الذي ازدانت به الساحة الكبيرة التي أقيمت بها خيمة العرس ..
في كل دقيقة تصل سيارة جديدة لتفرغ شحنة من الشيخات الجليلات .. سواد في سواد .. ليدخلن الى داخل الخيمة ثم .. الله أعلم !!
كان أبو العروسة (مش جمعة) .. يتجول هنا و هناك مرحبا بالقادمين و مجيبا جموع المهنئين .. كان ذو صوت جهوري .. إذا همس على بعد نصف كيلومتر .. تسمع صوته و كأنه صوت مكبرات صوتية من طراز بيونير بسيارة سفك يملكها واحد *****
و لكن .. في هذا اليوم بالذات .. كنا بالكاد نسمع صوته .. مع أنه كان يصرخ و بكل قوة .. هل لأنه مبحوح .. أكيد لا .. و لكن لأن الفنانة الكبيرة .. و الموهبة الخطيرة .. أم الحنجرة الحديدية و الصوت الرنان .. مكرونة خرز .. كانت تحتل المنبر الأعلامي لهذه المناسبة السعيدة .. صحبة فرقة من الأصوات و لا أروع .. و كنا باستمرار نسمع الأغاني المعبرة ذات المدلول الواضح و الوقع العذب على طبلة الأذن من أمثال ..
إيح إيح .. عرجون بلح .. نحيته ما با ينتح .. إيح إيح
أو الأغنية المشهورة ..
يا حيه عليه هبلاته .. نساته أمه و خواته
كان حلمي أن أعرف ما يدور داخل أسوار الخيمة .. كنت أسمع أصوات تدل على وجود معركة حامية الوطيسداخل سور الخيمة .. من أمثال
يوروروروروروروري .. بصوت قوته تصل الى 2000 وات .. تساءلت .. هل وصل الهنود الحمر الى قريتنا الموقرة !!
و ها .. ها .. ها .. ها .. كشخص يروض جوادا ثائرا .. عرفت فيما بعد أنها المقولة التي ترددها الأصوات في الجوقة الموسيقية لتحميس الحضور على ما يسمى بالشطيح !!
هل تعرفون ماذا حصل .. لقد سنحت لي الفرصة للدخول ..
نعم .. الى داخل الخيمة .. و سأكون مراسلكم من هناك .. لأحكي لكم بعض عجائب هذه الدنيا !!
ماذا حصل بالتحديد ..
توقف المصباح الذي ينيرمسرح العروسة فجأة عن العمل و بدون مقدمات .. و لأن الحكاية مستعجلة .. و باقي على موكب أهل العريس أقل من عشر ساعات للوصول .. فكان لابد من الإستعانة بعناصر من قوة التدخل السريع الموجودة على مشارف الحدود مع أرض العدو (برا الخيمة) .. و كنت صاحب هذا الشرف الكبير بإنقاذ الموقف !!
خرجت خالتي مستعجلة كعادتها من الباب الجانبي .. تعال هنا بسرعة يا موندو .. بسرعة يا ولدي .. عملة .. عملة كبيرة .. يا حشمتي ..
موندو: شن صار .. ربي ما يحشمك ان شاء الله .. شن صار.
خالتي: لازم تغير اللامبة متعالمسرح أنحرقت .. بسررررررعة سلم وليدي ..
موندو: ما هو كلها نساوين الداخل .. نتحشم (بي بي بي .. كان ما نعرفكش)
خالتي: .. هيا سلم وليدي .. ان شاء الله نشوفك عريس
كانت هذه هي الكلمة السحرية التي حركت في موندو كل ما يملك من نخوة و شجاعة و همة .. و لايهمك .. ما يصير الا كل خير ان شاء الله .. وين اللامبة ..
مشينا بين ممرات مظلمة طويلة حتى شككت أنهم سوف يختطفونني ، لماذا ولأي سبب لا اعلم .. وصلنا .. دخلت الى الخيمة .. حشود غفيرة من النساء من جميع الاحجام و الاعمار و الاشكال .. فعلا .. عرفت الآن لماذا يقول صديقي جمعة دائما .. القماش غالي هذه الأيام .. كان ذهني مشوشا .. كنت خجولا جداااااا .. لم أستطع التركيز في شيء .. لم أميز من الجمع الغفير الا أمي التي أطلقت صرخة مدوية نسميها نحن الليبيين زغرودة فور رؤيتها أياي مقبلا .. كنت فارسها المغوار و ما زلت فأنا أكبر أخوتي من البنين ..
أصوات طبول ، أصوات صراخ أطفال ونساء ، أصوات رعود ، دخان يملأ سماء القاعة ، أنوار تضيء وتطفي وكأنها على وشك أن تتلف . . مشينا على خطى عسكرية بين حشود النساء
فجأة . . رأيت مشهداً مخيفاً ، اختبأت خلف خالتي وأنا اصرخ . . جني . جني
أمي : أهدأ ، هذي مش جني
موندو: .. مش جني .. شغلت الفهامة و هي جهاز التمييز و الفهم الموجود بداخل كل عقل بشري .. آه مش جني .. أمالا شنو .. آه عرفت .. إنها خلاط مولينكس حجم عائلي متعدد السرعات .. شوفي كيف تدور
هذي جارتنا ميلودة ترقص فرحانة .. وقع علي الجواب مثل الحجر الذي يقع على رأس ساسوكي في أفلامه الكرتونية !!
لأول مرة أعرف الفرق بين الرقص و الشطح .. ليسوا سواء !!
ما يحدث داخل القاعة هو قمة الشطح ..
أقتربت من هدفي .. يا سلام .. دقائق و تنتهي معاناتي ..
واذ سمعت صوت يقول ....
انت مش ولد .. شن تدير بين النساوين.
ابتسمت ابتسامة صفراء .. إنها بنت بنت عمتي الصغيرة .. شقية .. كان أكثر ما أسعدني حماس المطربة مكرونة خرز الشديد الذي حول القاعة الى حشد من القراقوزات التي لا تفقه و لا تسمع شيئا الا الاغنية المعروفه حينذاك ..
لمحت أمي بطرف عيني تكلم المطربة على إنفراد .. و فجأة و بقدرة قادر صرخت صاحبة العرس .. و من اللاشيء ظهرت أغنية للوجود تحمل أسمي و تمدحني على عملي البطولي الذي لم يستطع أبطال العرب و العجم تحقيقه في يوم من الأيام ..عجيب أمر هؤلاء الزمزامات .. شعراء بالفطرة !!
و صلت الى موقع الحدث .. التقطت اللامبة بحنكة و مهارة منقطعة النظير .. و قمت بلفها في يدي كما يفعل المخضرمون أصحاب الخبرة .. أحسست بالأرض تهتز من تحتي فجأة .. عرفت فيما بعد أن كل نساء القاعة قررن التحول في وقت واحد و بدون سابق انذار الى فيفيّات عبدوّات .. و احتجت الى سنتين لأعرف أنه تأثير الأغنية الشهيرة .. يا سلم خال ضراريا !!
ركبت اللامبة الجديدة على عجل و لكن الضوء لم يعد !! .. أصلا لم أعرف ما هو سبب تغيير هذه اللامبة بالذات .. هناك أربع لامبات أخرى كافية للعثور على أبرة في كومة من القش .. ياللهول .. سمعتي على المحك .. و أنا البطل المغوار .. و مغير اللامبات الذي لا يشق له غبار .. وضعت لامبة أخرى و أخرى .. لم يحصل شيء !!
قالت ابنة ابنة عمتي الصغيرة و بلهجة شامتة .. ترة شوف الخيط متع السرب .. مرشوق في البريزة و الا لا ..
ليس لدي ما أقول الا أمري لله .. و لسان حالي يقول:
و يا سلم خال ضراريهم .. اللي شغلهم بالشطح و النطح !!
اللي لهّاهم جملية .. يا سلم خال ضراريا
و ما في وحدة تدري عليّا .. يا سلم خال ضراريا
الا فرخة تتعلق فيا .. يا سلم خال ضراريا
وان شاء الله القصة عجبتكم